وإذا قرئ ذلك على ما لم يسم فاعله - أُحْصِنَّ - كان وجوب الحد في ظاهر اللفظ على المملوكة ذات الزوج دون الأيم، وفي إجماع الجميع على وجوب الحد على المملوكة غير ذات الزوج دليل على صحة فتحة الألف. وقرأ الباقون "فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي الأزواج جعلوهن مفعولات بإحصان أزواجهن إياهن، فتأويله: فإذا أحصنهن أزواجهن، ثم رُدَّ إلى ما لم يسم فاعله نظير قوله: "مُحْصَنَات" بمعنى أنهنَّ مفعولات، وهذا مذهب ابن عباس قال: لا تُجْلَد إذا زنت حتى تتزوج، وكان ابن مسعود يقول: إذا أسلمت وزنت جلدت، وإن لم تتزوج" (?).
وهذا الموضع من المواضع التي أدى تحول الفعل فيها من البناء للفاعل إلى البناء للمفعول إلى اختلاف في الحكم الفقهي، فابن عباس (رضي الله عنهما) يرى على قراءة البناء للمفعول أن الأَمَةَ لا تَسْتَوْجِبُ الحَدَّ ما لم تُزَوَّجْ، وبقوله يقول فقهاء الأمصار.
وقد حسم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري هذا الخلاف بأن جعلها محدودة بالسنة وليس بالقرآن فقال: "قرأه بعضهم: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) بفتح "الألف"، بمعنى: إذا أسلمن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام. وقرأه آخرون: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) بمعنى: فإذا تزوّجن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج. والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ في قراءته الصوابَ. فإن ظن ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك غيرُ جائز، إذ كانتا مختلفتي المعنى، وإنما تجوز القراءةُ بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني = فقد أغفل، وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا، فغير دافع أحدُهما صاحبه؛ لأن الله قد أوجب على الأمَة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الحدَّ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زَنت أمَةُ أحدكم فَليجلدها، كتابَ الله، ولا يُثَرِّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّب عليها. ثم إن زَنت الرابعة فليضربها، كتابَ الله، وليبعها ولو بحبل من شَعَرٍ" (?).
• (يَنْفَُخُ) (?) من قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّور} (?). [التاج: صور].