المبحث الثاني تحريم إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرعا لجلب المصالح ودرء المفاسد.
ولهذا فإنهما داخلان تحت قاعدة جليلة مشهورة، تدور عليها جميع أحكام الشريعة، ألا وهي قاعدة "المصالح والمفاسد". (?)
فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفوّت مصلحة أكبر من مصلحة القيام بهما، أو يجلب مفسدة أكبر من مفسدة تركهما، كان الأمر والنهي في هذه الحال حرامًا، لأنه يناقض الحكمة التي شرعا من أجلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أعظم الواجبات أو المستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب، والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذمّ الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفُعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله، وليس عليه هداهم". (?)