229 - كانت الدولة العثمانية حين قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته، في غاية الخلل والانحلال، واضطراب حبل الأمن في ولاياتها ووهن عناصر القوة فيها: وكان من آثار هذا الوهن: أنها لا تولي – في الغالب- وظائف الدولة، وإمارة الولايات، إلا لمن يدفع الرشوة ثمن ذلك لمن بيده الأمر، وربما يكون الأمر في كثير من الأحيان بيد جهلة المتصوفة أو بعض أشياعهم الخاضعين لنفوذهم. فيكون من أثر هذا أن تسند الأمور إلى غير أهلها، فضلا عما كان عليه كثير منهم من انحلال الأخلاق بانحلال عروة الدين عن نفوسهم، فكان الوالي إذا حل في وظيفته لا همَّ له إلا إشباع نفسه الشرهة، من شهوات وملذات، ومن أموال ودور وعقار، يأخذها غصبا، ويدفع ثمنها لمن يطلبه سياطا على الظهور والجنوب، وكم أصيبت مصر وأهلها بالكثير من هذا الأذى، مما ألجأ المصريين إلى انتخاب محمد على باشا واليا على مصر، لما توسموا فيه من الخير لمصر والعقل والسياسة، والقوة، والحزم، وحب الإصلاح العمران.
230 - فقامت الدولة وقعدت، وأرغت وأزبدت، فلم يعبأ محمد على بها، ولم يعرها المصريون اهتماما، وتمنوا لو أنهم تخلصوا مرة واحدة من هذه التبعية التي طالما جرت على مصر الدمار والخراب
231 - وأخذ محمد على باشا سبيله في إصلاح مصر، وتنظيم جيشها، واستثمار أراضيها وخيراتها، وإعدادها لتكون دولة عظيمة كشأنها في الأعصر الماضية. وواتاه الحظ، بما وجد في نفوس المصريين من