على العقول، وما توسوس به شياطين الجن في صدور الناس من زخرف القول ... تأثير في ابتكار ونمو تلك الأفكار الضالة التي سيطرت على عقول الناس قديماً وحديثاً.
ومما لا شك فيه أن الجاهلية تكون في مكان أشد منها في مكان آخر، تبعاً لوجود العوامل التي تساعد على تركيزها في عقول الناس.
ولعل أخف الجاهليات هي جاهلية العرب قبل الإسلام، وذلك أنه لم تكن قائمة على تلبيسات منطقية، وزخارف فلسفية، ولم تكن قد توغلت فيهم عقائد التناسخ والحلول، فقد كانت عقائدهم وهماً وخرافات، وعادات منها الطيب والخبيث، قلدوا فيها الآباء دون أن يعملوا فيها العقول، وألفوها حتى أصبحت ديناً لازماً لهم.
فكانوا مع جاهليتهم أقرب إلى الفطرة، وأخف من غيرهم جاهلية، فكان ذلك -والله أعلم- مع فصاحتهم وسلامة فهمهم لمدلولات الكلام، وإقرارهم بربوبية الله وتعظيمهم له، من حكمة اختيار الله لهم لحمل الرسالة الخاتمة {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] .
أما المجتمعات التي تمركزت فيها الحضارات القديمة، ووجد فيها الفلاسفة والنظارة، فإن جاهليتها أوسع وأعمق، ذلك أن الفلاسفة صاغوا العقائد الجاهلية صياغة تقربها من العقول، وزخرفوها، ونسجوا الأدلة والمبررات والأساطير الوهمية حولها، مما زاد من استحكامها في عقول الناس، وأصبحت مع مرور الأيام أدياناً مقدسة، وتوسعت نتيجة اختلاف