وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ - كَمَا اهتموا بالإسناد - بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء، قَالَ علي بن المديني: ((الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه)) (?).

ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث، وتأتي البقية في سند آخر؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل: ((الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً)) (?).

وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي (?): ((الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات)) (?).

ويعرف - أَيْضاً - بجمع الطرق: الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح، فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة. قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه "الجامع الصَّحِيْح": ((وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن، ولكن تفصيله ربما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015