وهناك أمور جعلت عدداً من جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ لا يأخذون عَنْ عدد كبير من الرُّوَاة هي أن هؤلاء الرُّوَاة كانوا يتشاغلون عَنْ الْحَدِيْث. والتشاغل عَنْ الْحَدِيْث مدعاة لعدم ضبط الْحَدِيْث وعدم إتقانه وربما كَانَ مآل ذَلِكَ إلى دخول بعض الوهم والعلل والاختلافات؛ لأن المذاكرة والمراجعة يعينان عَلَى ضبط الْحَدِيْث وإتقانه. والانشغال في بعض الأمور ربما يحول دون المذاكرة والمراجعة مِمَّا يؤدي إلى عدم ضبط الروايات. ومن تِلْكَ الأمور:
إنّ ولاية القضاء من الأمور الدينية المهمة، والمجتمع الإسلامي بحاجة لازمة إلى هَذَا المنصب قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} (?). ولمكانة هَذِهِ الوظيفة في الإسلام وأهميتها البالغة فالأمر يستدعي من القاضي توفيراً واسعاً لمزيدٍ من الوقت، وتهيئة جوٍّ ملائم للقضاء؛ لأن القضاء مسؤولية دينية ودنيوية، وَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ وُلِّيَ القَضَاءَ، أو جُعِلَ قاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّين)) (?). إذن فهذه المسؤولية تستدعي تفرغاً وتفكُّراً ومراجعة، والحديث النبوي يحتاج كَذَلِكَ إِلَى تفرُّغٍ نِسبِيٍّ للمراجعة والمذاكرة من أجل الحِفَاظ عَلَى الضبط. وَقَدْ وجدنا حِيْنَ استقرأنا حال كَثِيْر من الرُّوَاة الَّذِيْنَ ولوا القضاء أنهم قَدْ خفّ ضبطهم لانشغالهم بهذا المنصب الوظيفي، ومن أولئك: شريك بن عَبْد الله النخعي الْقَاضِي، حدّد ابن حِبّان تَخليطه بَعْدَ عام خمسين ومئة حِيْنَ تولى قضاء الكُوفَةِ (?). وكذلك مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن أبي ليلى (?) قَالَ أبو حاتم الرازي: ((شغل بالقضاء فساء حفظه)) (?).
الفقه الإسلامي يمثل الشريعة الإسلامية الغراء وذلك لما احتواه من الأصول