وَقَدْ أجاب أصحاب المذهب الثاني عن هَذَا الْحَدِيْث، بأنه قَدْ عارضه فعلها، وأنها فعلت خلاف ما روت، فَقَالَ الطحاوي: ((ثُمَّ لَوْ ثبت ما رووا من ذَلِكَ عن الزهري، لكان قَدْ روي عن عَائِشَة - رضي الله عَنْهَا - ما يخالف ذَلِكَ)) (?).

ثُمَّ رَوَى من طريق مالك، أن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم أخبره، عن أبيه، عن عَائِشَة زوج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنها زوجت حفصة بنت عَبْد الرَّحْمَان (?)، المنذر بن الزبير (?)، وعبد الرَّحْمَان غائب بالشام.

فلما قدم عَبْد الرَّحْمَان قَالَ: أمثلي يصنع بِهِ هَذَا، ويفتات (?) عَلَيْهِ؟ فَكُلِّمَتْ عَائِشَة عن المنذر، فَقَالَ المنذر: إن ذَلِكَ بيد عَبْد الرَّحْمَان، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَان: ما كنت أرد أمراً قضيته، فقرت حفصة عنده، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طلاقاً)) (?).

فلولا أنها كَانَتْ ترى عدم اشتراط الولي لصحة عقد النكاح، لما فعلته مع ابنة أخيها، وهذا يدل عَلَى وجود ناسخ أو تأويل لما روته من اشتراطه.

ورد الجُمْهُوْر هَذَا الاستدلال: بأنه لَيْسَ في خبر عَائِشَة هَذَا التصريح بأنها باشرت العقد بنفسها، فَقَدْ تَكُوْن مهدت لأسبابه، فإذا جاء العقد أحالته إِلَى الولي بدليل ما روي عن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، قَالَ: ((كنت عِنْدَ عَائِشَة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد، فإذا بقيت عقدة النكاح، قالت لبعض أهلها: زَوّج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح)) (?).

فإذا علمنا أن مذهبها هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم عَنْهَا، اتَّضح أن مراد الرَّاوِي بقوله: ((زوجت حفصة))، أي: هيأت الأسباب، فانتفت المخالفة المظنونة، لما روت عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015