الفصل الثاني
حجية الفطرة
لقد خلق الله جل في علاه عباده حنفاء مسلمين موحدين لرب العالمين بالألوهية، ومتبرئين من تأله ما سواه.
وجعل ذلك من لوازم فطرهم بحيث لو تركوا ودواعيها لما كانوا إلا عارفين بالله، وبتوحيده، وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى القائم عليها والمنيثق منها: وحدانية تألهه.
وبذلك شهدت فطر الموحدين وعقولهم: بأن الله أهل أن يُعبد، ولو لم يرسل بذلك رسولاً، ولم ينزل به كتاباً.
وعليه أصبحت الفطرة بينة التوحيد وشاهده في أنفس الموحدين. فلا جرم أن الفطر يقتضي: عبادة الفاطر، وأن من كان مفطوراً مخلوقاً فحري به أن يتفرغ لعبادة فاطره وخالقه، لا سيما إذا كان أمره بيده ومنتهاه إليه.
قال سبحانه (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (?).
ومن هنا استحال جواز الشرك في الفطر السليمة والعقول المستقيمة ولو لم يرد بذلك خبر، كيف وقد أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في فطر خلقه من: حسن التوحيد وحل الطيبات، ومن قبح الشرك وحرمة الخبائث.
فاطمأنت قلوب الموحدين، وثلجت صدورهم وعلموا: أن الفطرة والعقل والوحي خرجوا جميعا من مشكاة واحدة؛ فعبدوا ربهم ووحدوه وعظموه ومجدوه بداعي الفطرة، وداعي العقل، وداعي النقل.