الميثاق الثاني: ميثاق الفطرة، وهو أنه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم في الميثاق الأول كما قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (?). وهو الثابت في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار والأسود بن سريع رضي الله عنهم وغيرها من الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
الميثاق الثالث: هو ما جاءت به الرسل، وأنزل به الكتب تجديداً للميثاق الأول وتذكيراً به (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (?). فمن أدرك هذا الميثاق وهو باق على فطرته - التي هي شاهدة بما ثبت في الميثاق الأول - فإنه يقبل ذلك من أول مرة ولا يتوقف؛ لأنه جاء موافقا لما في فطرته وما جبله الله عليه، فيزداد بذلك يقينه، ويقوى إيمانه فلا يتلعثم ولا يتردد.
ومن أدركه وقد تغيرت فطرته عما جبله الله عليه من الإقرار بما ثبت في الميثاق الأول؛ بأن كان قد اجتالته الشياطين عن دينه، وهوّده أبواه، أو نصراه، أو مجساه؛ فهذا إن تداركه الله تعالى برحمته: فرجع إلى فطرته، وصدق بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب؛ نفعه الميثاق الأول والثاني، وإن كذب بهذا الميثاق كان مكذبا بالأول فلم ينفعه إقراره به يوم أخذه الله عليه حيث قال: (بَلَى) جوابا: لقوله تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقامت عليه حجة الله، وغلبت عليه الشقوة، وحق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء" (?) أ. هـ.
* يذكر كثير من العلماء ساعة التحدث في تأويل هذه الآية: حجية