عنه ما عمل في الجاهلية، فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي فيعاقب على جميع ذلك.
قلت: وحاصله أن الخطابي حمل قوله: "في الإسلام" على صفة خارجة عن ماهية الإسلام، وحمله غيره على صفة في نفس الإسلام وهو أوجه.
تنبيه: حديث ابن مسعود هذا يقابل حديث (?) أبي سعيد الماضي في كتاب الإيمان معلقاً عن مالك، فإن ظاهر هذا أن من ارتكب المعاصي بعد أن أسلم يكتب عليه ما عمله من المعاصي قبل أن يسلم، وظاهر ذلك أن من عمل الحسنات بعد أن أسلم يكتب له ما عمله من الخيرات قبل أن يسلم، وقد مضى القول في توجيه الثاني عند شرحه، ويحتمل أن يجيء هنا بعض ما ذكره هناك كقول من قال: إن معنى كتابة ما عمله من الخير في الكفر: أنه كان سبباً لعمله الخير في الإسلام.
ثم وجدت في "كتاب السنة" لعبد العزيز بن جعفر - وهو من رءوس الحنابلة - ما يدفع دعوى الخطابي وابن بطال الإجماع الذي نقلاه، وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول: إن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رد عليه بحديث ابن مسعود ففيه: أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها في الإسلام فإنه يؤاخذ بها، لأنه بإصراره لا يكون تاب منها وإنما تاب من الكفر فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية لإصراره عليها، وإلى هذا ذهب الحليمي من الشافعية، وتأول بعض الحنابلة قوله: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) على أن المراد: ما سلف مما انتهوا عنه، قال: والاختلاف في هذه المسألة مبني على أن: التوبة هي الندم على الذنب مع الإقلاع عنه والعزم على عدم العود إليه.