فلله على عباده حجتان قد أعدهما عليه، لا يعذبه إلا بعد قيامهما:
إحداهما: ما فطره وجبله عليه، وصبغ عقله بصحته وبرهانه من أن: الله وحده هو ربه ومعبوده، وحقه عليه لازم.
ثانيتهما: إرسال رسله إليه للتذكير بذلك وتفصيله وتقريره: فيقوم عليه شاهدا الفطرة والشرعة، ويقر على نفسه بأنه كان من الكافرين: قال تعالى: (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (?).
وهذا هو فصل الخطاب في تلك المسألة التي صال وجال حولها كثير من اللغط والمنازعات، وإلى الله المآب للفصل بين العباد بميزان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والله المستعان.
قوله تعالى (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (?).
أي: "إلى الحق، ويتركون ما هم عليه من الباطل، وقيل: يرجعون إلى الميثاق الأول فيذكرونه ويعملون بموجبه ومقتضاه، والمآل واحد." (?).
وقوله تعالى (يَرْجِعُونَ) دل على أن مرض الشرك محدث وطارئ على الفطرة ودخيل عليها، وليس بمحل للعبد لكي يحط رحله فيه؛ بل محل العبد وقراره في تجريد العبودية لفاطره ومالكه. فأولى وأحرى بكم أيها المشركون أن تحلوا في محلكم، وتقطعوا غربتكم، وتقروا في قراركم.
* * *