وهذا أيضا من آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد. لا جرم أن الذي يواقع الفاحشة يستشعر قبحها وسوء منقلبها. دليل ذلك استخفاؤه بها، ونقمته على من يهم بفعلها في أهله وذويه.
وكذلك الذين يطففون الميزان يعلمون يقينا جرم فعلتهم النكراء، وبرهانه أنهم: إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون.
وكذلك الذي يغتصب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والورق، يأبى ويأنف أنه يُغتصب درهم منه بغير وجه حق .. وبذلك ندرك علة اقتران الأمر بالاستغفار مع دعوة التوحيد على ألسنة الرسل الكرام لأقوامهم المشركين العصاة.
قال ابن تيمية: "و"أيضاً" أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه (?)، فلو كان كالمباح المستوي الطرفين والمعفو عنه، وكفعل الصبيان والمجانين، ما أمر بالاستغفار والتوبة، فعلم أنه كان من السيئات القبيحة، لكن الله لا يعاقب إلا بعد إقامة الحجة، وهذا كقوله تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ). وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وقال: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ). فدل على أنها كانت: ذنوباً