فلذلك يقال: الواحد من الناس قادر على إرسال رسول، وعلى أن يرسل نشابة وعلامة يعرفه المرسل إليهم بها صدقه، فكيف لا يقدر الرب على ذلك؟

ثم إذا أرسله إليهم وأمرهم بتصديقه وطاعته ولم يعرفهم أنه رسوله، كان هذا من أقبح الأمور، فكيف يجوز مثل هذا على الله؟ ولو بعثه بعلامة لا تدلهم على صدقه كان ذلك عيباً مذموماً، فكل ما ترك من لوازم الرسالة، إما أن يكون لعدم القدرة، وإما أن يكون للجهل والسفه وعدم الحكمة، والرب أحق بالتنزيه عن هذا وهذا من المخلوق، فإذا أرسل رسولاً فلا بد أن يعرفهم أنه رسوله ويبين ذلك، وما جعله آية وعلامة ودليلاً على صدقه امتنع أن يوجد بدون الصدق فامتنع أن يكون للكاذب المتنبي، فإن ذلك يقدح في الدلالة، فهذا ونحوه مما يعرف به دلالة الآيات من جهة حكمة الرب، فكيف إذا انضم إلى ذلك أن هذه سننه وعادته، وأن هذا مقتضى عدله، وكل ذلك عند التصور التام يوجب: علماً ضرورياً يصدق الرسول الصادق، وأنه لا يجوز أن يسوى بين الصادق والكاذب، فيكون ما يظهره النبي من الآيات يظهر مثله على يد الكاذب، إذ لو فعل هذا لتعذر على الخلق التمييز بين الصادق والكاذب، وحينئذ فلا يجوز أن يؤمروا بتصديق الصادق، ولا يذموا على ترك تصديقه وطاعته، إذ الأمر بذلك بدون دليله تكليف ما لا يطاق، وهذا لا يجوز في عدله وحكمته، ولو قدر أنه جائز عقلاً فإنه غير واقع" (?) أ. هـ.

وبهذا يتبين لك أخي القارئ: عجز النفاة عن إثبات صحة الرسالة وصدق النبوة، وهذا أيضاً يلزم خصومهم من المعتزلة.

قال ابن القيم: "وأما طريق العلم بالنبوة: فإنهم أصلوا أنه سبحانه يجوز عليه كل ممكن، وأنه يجوز عليه تأييد الكذابين بأنواع المعجزات، وأنه لا فرق بالنسبة إليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015