وقد أفاض القرآن من ذكر الأدلة العقلية والبراهين اليقينية الدالة على: التوحيد، وإثبات الصفات، والمعاد، وصدق الرسالات، والتي تقيم صحة مقتضى الأخبار الدالة على أصول الدين. فالعقل المستقيم موافق للشرع القويم، وكلاهما قسيم الابتداع والإحداث.
قال ابن تيمية: "كون الدليل عقليا أو سمعيا ليس هو صفة تقتضي مدحا ولا ذما، ولا صحة ولا فسادا، بل ذلك يبين الطريق الذي به علم، وهو السمع أو العقل، وإن كان السمع لا بد معه من العقل، وكذلك كونه عقليا أو نقليا، وأما كونه شرعيا فلا يقابل بكونه عقليا، وإنما يقابل بكون بدعيا، إذ البدعة تقابل الشرعة، وكونه شرعيا صفة مدح، وكونه بدعيا صفة ذم، وما خلاف الشريعة فهو باطل.
ثم الشرعي قد يكون سمعيا وقد يكون عقليا، فإن كون الدليل شرعيا يراد به كون الشرع أثبته ودل عليه، ويراد به كون الشرع أباحه وأذن فيه، فإذا أريد بالشرعي ما أثبته الشرع، فإما أن يكون معلوما بالعقل أيضا، ولكن الشرع نبه عليه ودل عليه، فيكون شرعيا عقليا.
وهكذا كالأدلة التي نبه الله تعالى عليها في كتابه العزيز، من الأمثال المضروبة وغيرها الدالة على توحيده وصدق رسله، وإثبات صفاته، وعلى المعاد، فتلك كلها أدلة عقلية يُعلم صحتها بالعقل، وهي براهين ومقاييس عقلية، وهي مع ذلك شرعية.
وإما أن يكون الدليل الشرعي لا يُعلم إلا بمجرد خبر الصادق، فإنه إذا أخبر بما لا يُعلم إلا بخبره كان ذلك شرعياً سمعيا.
وكثير من أهل الكلام يظن أن الأدلة الشرعية منحصرة في خبر الصادق فقط، وأن الكتاب والسنة لا يدلان إلا من هذا الوجه. ولهذا يجعلون أصول