قال ابن تيمية: في بيان أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين وهي: الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع وتوحيده وصدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المعاد إمكاناً ووقوعاً:
"وقد ذكرنا فيما تقدم هذا الأصل غير مرة، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين الأدلة العقلية والسمعية التي يهتدي بها الناس إلى دينهم، وما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وأن الذين ابتدعوا أصولا تخالف بعض ما جاء به هي أصول دينهم، لا أصول دينه. وهي باطلة عقلاَ وسمعاً، كما قد بسط في غير موضع. وبين أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدين قاصرون أو مقصرون في معرفة ما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية.
فطائفة: قد ابتدعت أصولا تخالف ما جاء به من هذا وهذا.
وطائفة: رأت أن ذلك بدعة فأعرضت عنه، وصاروا ينتسبون إلى السنة لسلامتهم من بدعة أولئك. ولكن هم مع ذلك لم يتبعوا السنة على وجهها، ولا قاموا بما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية. بل الذي يخبر به من السمعيات - مما يخبر به عن ربه وعن اليوم الآخر - غايتهم أن يؤمنوا بلفظه من غير تصور لما أخبر به. بل قد يقولون مع هذا: إنه نفسه لم يكن يعلم معنى ما أخبر به، لأن ذلك عندهم هو تأويل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.
وأما الأدلة العقلية فقد لا يتصورون أنه أتى بالأصول العقلية الدالة على ما يخبر به كالأدلة على التوحيد والصفات. ومنهم من يقر بأنه جاء بهذا - مجملا، ولا يعرف أدلته. بل قد يظن أن ما يستدل به كالاستدلال بخلق الإنسان على حدوث جواهره - هو دليل الرسول.
وكثير من هؤلاء يعتقدون أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل: