الأصول التي أخذ عليها الميثاق، وفطر عليها العباد، وركز في العقول أدلة صحتها، وبراهين استقامتها، وقامت الآيات الكونية ناطقة بمدلولها. وقد سجل القرآن على المشركين مخالفتهم للمعقول والمنقول، وضرب لهم الأمثال الدالة على حسن التوحيد، وعلى بطلان الشرك. فحصحصت بذلك حجة العقل في الدلالة على المطالب الإلهية، وسطع برهانه على بطلان الجريمة الكبرى والخيانة العظمى المتمثلة في الوقوع في عبادة غير الله العلي الكبير. والمستلزمة للتنقص به، وبربوبيته، وألوهيته، وأسمائه الحسنى وصفاته العلى - شاء المشرك ذلك أم أبى -. فإن لم يكن كذلك بطلت دلالة تلك الأمثال، وعادت أخباراً محضة، ومن المعلوم ضرورة أن الخبر لا يقيم صحة الخبر وبهذا تكون حجج التوحيد قد علت وسطع نورها، وأبادت ظلمات الشرك، وأحرقت زيفها، وقضت على أباطيلها.

فالموحدون عبدوا ربهم: بداعي العقل، وداعي الفطرة، وداعي الشرع، ووافقوا مقتضى الآيات الكونية. والمشركون: خرجوا عن كافة دواعي الهدى وخالفوا المعقول والمنقول، وغدوا صفر اليدين من كافة الحجج والبراهين.

قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (?).

ومن هنا ندرك: أن الدليل الشرعي لا يقابل: بالدليل العقلي، بل بالدليل البدعي. فالبدعة ضد: الشرعة، والمعقول برهان المنقول وميزانه.

قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (?).

قال ابن كثير: (وَالْمِيزَانَ) هو: العدل: قاله: مجاهد وقتادة وغيرهما، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015