فأما الأول: فكانوا يقولون: إنهم بنات الله، تعالى عن قولهم علوًّا كبيرًا.
وأما الثاني فكانوا يقولون: إنهم يشفعون إلى الله عزَّ وجلَّ، والغالب أنه تعالى يقبل شفاعتهم.
وإذا كان المقصود من هذه الرسالة هو تحقيق التأليه والعبادة فنقول: هل الاعتقاد في ذوات الملائكة أنهم بنات الله هو التأليه والعبادة أو ركن لهما؟
أقول: قد تقدَّم أنَّ القرآن عدّ عبادتهم للملائكة على حِدَة أي مع صرف النظر عن الاعتقاد في ذواتهم شركًا، ويشهد له قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، فجعلوا العبادة أمرًا (اختياريًّا) (?) يفعلونه طمعًا في الشفاعة، ولا يصح أن تفسَّر بالاعتقاد ولا بما يكون الاعتقاد ركنًا له؛ لأنهم كانوا يدَّعون أنَّ اعتقادهم في الملائكة ليس أمرًا اختياريًّا، أي: يمكنهم أن يفعلوه أو لا يفعلوه، وإنما هو كسائر الاعتقادات الاضطراريَّة كاعتقاد أنَّ لك رأسًا, ولو قالوا إنما نعتقد أنهم بنات الله ليشفعوا [س 137/ ب] لنا لكان هذا اعترافًا منهم بأنهم لا يعتقدون أنهم بنات الله، وإنما يقولون ذلك بألسنتهم، وهم لم يعترفوا بهذا.
وأيضًا فقد عبدوا الأصنام مع أنهم لم يعتقدوا في ذواتها شيئًا، وقد تقدَّم في ذِكْرِ الأمم الغابرة ما هو قاطع في هذا المعنى، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}