ونبَّه الله عزَّ وجلَّ على هذا بقوله: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]، كأنه قال: ويلزم المشركين باعتقادهم ضلالَ مَن كذَّب الأنبياء الماضين وعاداهم أن يكونوا معتقدين بأنَّ المكذبين كانوا متمكِّنين من التصديق والطاعة، ولو جاؤوا بهذه الشبهة لكانوا مناقضين لأنفسهم في معاداة الرسل؛ إذ يلزمهم إن اعتقدوا تلك الشبهة أن يعتقدوا أنَّ ما عليه الرسل حق؛ إذ لو شاء الله تعالى ما كان منهم (من تكذيب) (?) الرسل ما كان، وهكذا في شأن فاعلي المحرَّمات.
فإذا وَزَنَ المشركون حالَهم بهذا الميزان تبيّن لهم قطعًا سقوط شبهتهم، أي أنها لا [تصلح] (?) لما قصدوه بها من تكذيب محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم [وإثبات] (?) أنَّ ما هم عليه حق يحبه الله ويرضاه .. (?) الأنبياء الماضين وأممهم، وثانيًا: تناقض اعتقادهم في المحرمات، وثالثًا: أن [القضية بعكس ظنهم] (?).
فإذًا بان لهم سقوط الشبهة بهذا التقرير، ومع ذلك كان هذا راسخًا في فِطَرِهم [س 134/ ب] أنَّ ما شاءه الله عزَّ وجلَّ كائن لا محالة، ولم يهتدوا إلى جامعٍ بين العقيدتين فليسترشدوا عقولَهم؛ فإن العقول تقول لهم: إذا كنتم مطمئنِّين بالعقيدتين فإنكم لا بدَّ أن تطمئنُّوا بأنَّ بينهما جامعًا يدفع ما يظهر