عن شيخ حي، ثم يجيء إلى الشيخ بكتابه فيقول: هذا من روايتك، فأرويه عنك؟ فيقول: نعم؛ مع أنه لم ير الكتاب، ولم يقرأه، ولا قرئ عليه. وكان مثل هذا نادرًا، وإنما يتفق مثله إذا كان الطالب كبيرًا من أهل العلم والثقة، فإذا وثق بكتاب صاحبه لثقته عنده، ووثق الشيخ بعلمه وإتقانه ومعرفته = أجازه.
لكن لما كثرت المصنفات، واشتهرت نسخُها، وطالت الأسانيد وتعددت، وضعفت الهمم = توسع الناس في الإجازة. يجيز الشيخ للطالب الكتابَ وإن لم يكن عنده نسخة منه، ولا قرأه، ولا سمعه، ولا رأى نسخة منه. ثم إذا طال عمر هذا الطالب احتاج الناس إلى الرواية عنه، فبحثوا عن نسخة يوثق بها من ذلك الكتاب، فقرأوا عليه، ورووه عنه.
وربما اكتفى بعضهم بالاستجازة منه. فقد يجيز رجلًا، ويجيز هذا الثاني ثالثًا، فيظفر هذا الثالث بنسخة من الكتاب فيمليها على الناس أو يقرؤونها عليه، ويعتمد عليها في القضاء والفتوى والنقل في مصنفاته وغير ذلك؛ مع أن شيخه وشيخ شيخه لم يريا تلك النسخة، بل ولا نسخة [ص 4] من الكتاب.
وتوسعوا في ذلك حتى كانوا يجيزون للأطفال وللرجل ولمن يولد له بعد، ويجيز أحدهم لجميع أهل عصره جميع مصنفاته ومروياته!
وبالجملة صارت الرواية في الآخر صورة لا روح لها، وانحصر الأمر في أن تكون النسخة موثوقًا بها. والثقة بالنسخة على درجات:
- أعلاها: أن تكون بخط المصنف وقرئت عليه، أو قرأها هو على الناس، أو كرر النظر فيها.
- ودون ذلك: أن تكون فرعًا عن أصل المصنف، وقابله ثقة مع المصنف.