كان العلم في صدر الإسلام يُتَلقَّى من أفواه العلماء، ويُحفَظ في الصدور. وكان الناس مختلفين في الكتابة، منهم مَن يثق بجودة حفظه فلا يكتب شيئًا، ومنهم مَن يكتب ما يسمع ليتحفظه ثم يمحو الكتاب، ومنهم مَن يكتب ويحفظ كتابه حتى يراجعه عند الحاجة.
ثم اتسع العلم، وطالت الأسانيد، وصُنِّفت بعض الكتب، فأطبق الناس على الكتابة. وكان أكثرهم يحرصون على الحفظ، وإنما يكتبون ويحفظون كتبهم ليتحفظوا منها، ثم يراجعونها عند الحاجة. ومنهم مَن لا يحفظ، فإذا احتيج للأخذ عنه روى من كتابه.
وكانوا يبالغون في حفظ كتبهم، فلا يمكِّن أحدهم أحدًا من كتابه إلا أن يكون بحضرته، [ص 2] أو يشتد وثوقه برجل فيسمح له.
وفي "صحيح البخاري" في كتاب الحج، باب: من أين يخرج من مكة [1576]: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: لو أن مسددًا أتيتُه في بيته فحدثتُه لاستحق ذلك، وما أبالي كُتُبي كانت عندي أو عند مسدد".
وكانت كتب العلماء التي يعتمدون عليها بخط أيديهم، وذلك على أوجه:
- قد يملي الشيخ، والطالب يكتب ثم يحفظ ذاك الكتاب نفسه، أو ينقله إلى كتاب آخر فيحفظه.