يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ ... لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء 63 - 65].
ثم لمّا قال لهم: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ} عدلوا عن الجواب إلى أن: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ}.
[س 86/ ب] ويشهد لذلك أيضًا أن إبراهيم عليه السلام قال لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]، فلم يجبه أبوه بشيء كأن يقول: بل يغني عني، بل {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46].
إذن فلماذا كانوا يعبدونها؟
يظهر من جوابهم بقولهم: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74]، مع ما تقدَّم أنهم إنما كانوا يعبدونها محافظة على عادتهم وعادة آبائهم أنفةً مِنْ أن يتركوا ذلك، كما روي عن بعض مشركي قريش أنهم تيقَّنوا بطلان ما هم عليه، ولكن شقَّ عليهم أن يعترفوا بأنهم كانوا هم وآباؤهم على ضلال.
ويؤيَّده أن إبراهيم عليه السلام لما كسر الأصنام: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: 63 - 64]، ففي هذا اعتراف بأن الأصنام لا تضرُّ ولا تنفع، وإنما نُكسوا على رؤوسهم لمجرد المحافظة على العادة فقط.
ولو كانوا يعبدونها على أنها تماثيل لأشياء أُخر لانتقلوا في الموضعين