قد علم - صلى الله عليه وسلم - وأخبر بأن أناسًا وفرقًا من أمته سيضلون. والأخبار بذلك كثيرة متواترة في المعنى. وإذ كان الأمر كذلك فهذا المعنى - أعني عدم الضلال بشرط العمل بما فيه - ثابت للقرآن بلا ريب.
وبقيتْ أشياء تتعلق بالحديث ليس هذا موضعها.
وقد قدَّر الله سبحانه وتعالى أن تكون تلك القضية من جملة الشبه التي يُضِلّ بها سبحانه من يشاء من عباده، كما تقدم.
ومما يذكر هنا ما جاء عن عمر أنه بعث قومًا إلى الكوفة فأوصاهم، قال (?): [إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قومًا لهم أزيزٌ بالقرآن، فيقولون: قدم أصحاب محمَّد، قدم أصحاب محمَّد، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقِلُّوا الروايةَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا شريككم فيه].
وليس في هذا إلا الإقلال من الرواية عندما يخاف أن يُعرض الناس عن القرآن، ويشتغلوا بها. وهذا حق؛ لأن تعلُّم كتاب الله تعالى أهم وأقدم، وليس في ذلك منعٌ من ذكرِ الحديث عندما يحتاج إليه، أو تحديثِ من قد حفظ كتاب الله وتعلَّمه.
فأما ما جاء عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر قال لابن مسعود، ولأبي الدرداء، ولأبي ذر: "ما هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب" ("المستدرك" 1/ 110) = فإنما أنكر عليهم الإكثار، فإن الإكثار مظنة الزلل، ومظنة أن يَشْغَل عن تعلم القرآن، كما مرّ.