يصير معها على تلك الحال، [ص 24] فإن الشبهة تُرِيب في ما هو في نفسه بغاية الظهور القطعي.
واعتبرْ ذلك بأن تأخذ تفاحة وتنظر إليها وتمسَّها وتشمَّها وتذوقَها، ثم تفكّر هل عندك أدنى أدنى شبهة في كونها تفاحة على الحقيقة، ثم فكِّرْ هل هذا العلم القاطع خاص بك أم بكل من يعرف التفاح ويختبر التفاحة كاختبارك أو دونه؟
ثم ادعُ بدويًّا وناوِلْه التفاحة، وقيل له: تأملْ فيها، ثم تقول: مسَّها، ثم تقول: شمَّها، ثم تقول: ذُقْها، ثم سله: هل يرتاب في أنها تفاحة؟ فيوشك أن تراه قد عرض له بعض الارتياب. فدَعْه مدة ثم قل له: إن في محل كذا رجلاً ساحرًا ربما أخذ الحصاة، ثم يناولها الحاضرين فيرون أنها خاتم من ذهب، وربما أخذ البعرة أو ما هو أخبث منها، ثم يناولها الحاضرين فيرونها قطعة سكَّر أو شيئًا من الفاكهة.
ثم اذهبْ بذلك البدوي إلى رجل تُوهِمه أنه ذلك الساحر، وقد تواطأتَ معه أن يناولكم تفاحًا! فماذا ترى حال البدوي إذا ناوله ذلك الرجل تفاحة؟ ألا تراه يُحجِم عن تناولها، وإن تناولها وجدته متقذرًا لها، فإذا أُمر بشمَّها لم يكد يدنيها من أنفه، وإن أُمر بذوقها أنكر ذلك ولم يطقه!
ولهذا كان علماء السلف يتباعدون عن سماع الشبهات، وينهون الناس عن مجالسة أهلها، أو سماع كلامهم. وإنما ذلك لأنهم عرفوا أنهم وعامة المسلمين قد حصل لهم اليقين الكامل بصحة الدين وأصوله، ولا يرجى من سماع الشبهات فائدة ما، بل يُخشى منها أن تُزلزِل ذلك اليقين.