ثم ذكر جميع الشبه العقلية والنقلية للمانعين من قبول خبر الواحد والعمل به، وأطال في الرد عليها، ونقل كلام الأصوليين في هذا الموضوع، وعقَّب عليه بما يوضّحه ويُبيِّنه. وقد تكلم بتفصيل على آية {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] التي استدل بها المانعون، وفسَّرها ونظر في معناها من أربع جهات: العربية، وسياق الآيات، ومراعاة نظيرها من الآيات في القرآن، وتفسير السلف. وفنَّد مزاعم المانعين في التعلُّق بهذه الآية. كما تكلم على آية {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] وبيَّن معنى "يُغني" بتتبع الشواهد في القرآن وكلام العرب (?)، ثم شرح معنى "الحق" الذي إذا كرهه الإنسان حاول أن يدفعه بالظنّ، وفصَّل في ذلك تفصيلًا لا يكاد يوجد في موضع آخر، ورجَّح أن المراد بالظنّ الشبهات، وبالحق البراهين القطعية، وعلى ذلك يدلُّ السياق.
وفي فصل آخر ردّ على بعض المفسرين الذين جعلوا "لا يُغني" في الآية بمعنى: لا يقوم مقامه، ولا يسدُّ مسدَّه، و"من" بمعنى بدل، واعترض عليهم بوجوه.
وفي الفصل الأخير من هذه الرسالة ذكر بعض الشبه النقلية من الأحاديث والآثار التي تدلُّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وغيرهما لم يقبلوا خبر الواحد حتى جاء آخر فأخبر بمثله. تكلم المؤلف عليها واحدًا واحدًا، وبيَّن معناها ووجهها، ونقل كلام الشافعي من "الرسالة" وكلام الآخرين.