بل جاء عنهم ما يخالف ذلك.
الرابعة: لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته أن يكتب كتابًا قال عمر رضي الله عنه: "عندنا كتاب الله حسبُنا"، وأقرَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد ردَّ على هذه الشُّبه بتفصيل، وبيَّن أن الحجة قائمة على فرضية اتباع السنة، وأن فيها ما ليس في القرآن، وأن الذي يرتاب في ذلك فحقُّه أن تقام عليه الحجج على أصل الإِسلام، ولا يُتشاغل معه بالنظر في الجزئيات. ولم يجعل الله حجج الحق بغاية الظهور, لأنها لو كانت كذلك لكانت معرفتها سهلة، ولكان الخلق كالمجبورين على قبولها. وقد جعل الله شبهاتٍ مع هذه الحجج لابتلاء العباد بها، وله فيها حِكَم عديدة كما يظهر من التأمل فيها.
أما النهي عن الكتابة فقد ورد بذلك حديث واحد، وأعلَّه البخاري وغيره، وجاءت في الإذن أحاديث. وأكثر الصحابة لم يكونوا يرون بها بأسًا. وما روي عنهم خلاف ذلك فله محمل حسن. وذكر المؤلف أسباب عدم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة السنة، وأنه كان في ترك الكتابة آنذاك مصلحة عظيمة وهي حثُّ المسلم على الطلب والسماع والحفظ. وفيها حِكَم أخرى يطول بيانها.
أما قول عمر رضي الله عنه فقد تواتر عنه امتثاله للسنة وتديُّنه بها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها، فلا بدَّ من حمل كلمته تلك على ما لا يخالف ذلك. ثم ييَّن المؤلف المقصود منها ومن غيرها من الروايات التي تُروى عن عمر في هذا الباب.