وأخفُّهم ذنبًا مَن يكون قليل المعرفة بالدين، قاصر النظر في مصالح العباد، ضعيف الباه، فينظر هذا إلى ما في تعدد الزوجات من النقائص، ولا يلتفت إلى ما في منعه من المفاسد.
جواز التعدد معلوم من دين الإِسلام بالضرورة، ولكن أثار بعض المتأخرين شبهة، وهي أن الله عزَّ وجلَّ قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وقال في موضع آخر: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129].
فالآية الأولى ألزمت المسلم إذا خاف عدمَ العدل أن يقتصر على واحدةٍ. وعُلِم بالآية الثانية أن كلَّ مسلم مصدِّقٍ بخبر الله عزَّ وجلَّ يعلم أنه لا يستطيع العدل، فأنَّى يتصور أن لا يخاف عدم العدل؟
والجواب عن ذلك أنه لو فرِض صحةُ دلالة الآيتين على المنع لم يجز العمل بهذه الدلالة، لِما تواتر قطعًا أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يجمعون مثنى وثلاث ورباع بعد نزول الآية، مع علمه - صلى الله عليه وسلم - وإقراره، ثم لم يزل العمل على ذلك إلى الآن، وأطبقت عليه الأمة، ولم يخالف في ذلك أحدٌ البتةَ. وهذا المعنى حجة قطعية لا يخدِش فيه ظاهرُ القرآن.
مع أن الصواب أن ظاهر القرآن لا يدل على المنع، بل يدلُّ على الجواز، ودونك البيان:
قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِن