يقرأنَّ أحدُكم إذا جهرتُ بالقراءة إلاَّ بأمِّ القرآن". وبقية الروايات بيَّنت أنَّ تلك الصلاة كانت جهرية، وأنَّ القراءة ثقلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالحديث حجَّة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى المقتدين به أن يقرأوا إذا جهر إلاَّ بأم القرآن.
ويظهر من ذلك أنَّ الزيادة على الفاتحة ليست بمرتبة الفاتحة، وهذا عندنا مبيَّنٌ؛ لما قدمناه أنَّ وجوب زيادةٍ على الفاتحة لم يثبت وجوبه أصلاً، وشاهدٌ لما قدمنا في حديث المسيء صلاته؛ من احتمال أنه كان الواجب أولاً الحمد والثناء والتمجيد، وقراءة شيءٍ من القرآن، ثم نسخ ذلك بالفاتحة؛ فكانت هي الواجبة وحدها.
وأما الشارح فعنده أنَّ هذا ناسخ الأحاديث الآمرة بالزيادة على الفاتحة. وأنت خبيرٌ أنَّ دعوى النسخ مفتقر (?) إلى إثبات تأخُّر هذا الحديث عن تلك، وليس بيد الشارح دليل؛ إلاَّ أنه يقول: دلَّ هذا الحديث أنهم كانوا يقرءون غير الفاتحة، ولا يُظَنُّ بهم أن يقرءوا إلاَّ بإذن شرعي؛ فيظهر أنَّ الإذن هو تلك الأحاديث.
ولقائل أن يقول: لا يتعيَّن هذا، لاحتمال أنهم كانوا يقرءون؛ لِما علموا من أنَّ الصلاة موضع القراءة وذكر الله تعالى في الجملة، أو قياسًا على الإِمام، أو غير ذلك.
ويدلُّ على هذا سؤاله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بقوله: "أراكم تقرءون وراء إمامكم"، قالوا: إي والله يا رسول الله، ولو كان قد أمرهم بالقراءة قبل ذلك صريحًا لما اقتضى الحال الاستفهام؛ بل كان حق الكلام أن يقول: كنت أمرتكم بقراءة