ثم اعترضه الشارح بأنه لا يتعيَّن ذلك، قال: (ويمكن أن يكون الأمر كما قلنا: إنَّ ركنية الفاتحة وضمِّ شيءٍ معها من القرآن كان في أول الأمر، وفيه حديث: "لا تجزيء صلاةٌ لا يَقرأ الرجل فيها بأم القرآن"، وغيره من الأحاديث التي تدلُّ بهذا المعنى. ثم لمَّا وقعت المنازعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمخالجة في قراءته - صلى الله عليه وسلم - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بترك السورة والاكتفاء على الفاتحة. ثم لما نزلت: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ...} إلخ [الأعراف: 204] أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بترك القراءة مطلقًا. وعلى هذا تتوافق جميع الأحاديث بدون تعارضٍ فيها، والتوافق هو المتعيَّن عند التعارض لو يمكن. ومن هذا الوقت نُسِخت فرضية الفاتحة لما نزل فيه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20])، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده للمسيء: "واقرأ ما تيسَّر معك من القرآن").
[ص 18] أقول: أما حديث المسيء صلاته فقد مرَّ الكلام عليه بما يغني، والحمد لله.
وأما ما أبداه الشارح من التوفيق فأقلُّ ما فيه أنه (لَخْبطة).
فإنه زعم أنَّ ترتيب نزول الأحكام هكذا: أحاديث وجوب الفاتحة وشيءٍ معها، ثم أحاديث نهي المأموم عن الزيادة، ومنها حديث عمران (?) وأبي هريرة في المخالجة والمنازعة، ثم نزول آية الإنصاف، ثم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - المأموم عن القراءة مطلقًا، ثم نزول آية القراءة، ثم قصة المسيء صلاته.
والترتيب الصحيح الثابت بالأدلة العلمية هكذا:
آية القراءة؛ فإنها من سورة المزَّمل، وسورة المزَّمل مكية اتفاقًا.