الأول: أن قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} توطئة لما بعده، ليُفهم أن المراد بقوله: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} الثلثُ مما وَرِثاه، ولولا قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} لما فُهِم ذلك.

أقول: هذا القول بعيد.

أولاً: لأن المطَّرد في الأنصباء التي تُذكَر في الفرائض في الكتاب والسنة أنها منسوبة إلى أصل التركة، وليس في قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ما يَصْرِف عن ذلك، غاية الأمر أن يقال: لو لم يقصد به ذلك لكان فضلاً أو تأكيدًا على ما تقدم، والتأسيس أولى منه. وأقول: التأكيد الواضح أولى من هذا التأسيس الذي لا يفهمه أحد، ولولا أن صاحب هذا القول اعتقدَ أن للأم ثلث الباقي - حيثُ كانت مع الأب وأحد الزوجين - لما وقعَ له هذا الفهم. وقاعدة "التأسيس أولى من التأكيد" محلُّها حيث يتعادل الاحتمالان، فأما حيث يكون احتمالُ التأسيس تعسُّفًا واحتمالُ التأكيد ظاهرًا فالتأكيد أولى.

المحمل الثاني: أن المراد بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} أن يَرِثاه فقط، بأن لا يكون معهما وارثٌ آخر، قالوا: والحصر مأخوذ من التخصيص الذكري كما تدلُّ عليه الفحوى.

أقول: لا شكَّ أن التخصيص الذكري قد يفيد الحصر، ولكنَّ محلَّ ذلك حيث يكون المقام مقتضيًا للاستيعاب، كأن يقال: مَن ورِثَ زيدًا؟ أو أخبِرْني بمن ورث زيدًا، فيقال: ورثه أبواه، فإن الاستخبار ههنا عامٌّ عن جميع الورثة، والأصل أن يكون الجواب مطابقًا للسؤال، فيظهر بذلك أن الجواب مستغرقٌ لجميع الورثة. غاية الأمران يقال: لو لم يقصد بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} الحصر لكان فضلاً أو تأكيدًا، وقد تقدم الجواب عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015