لنفسه حتى لحِقَ الإِمام فوافقه، فإنه يسلَّم معه، فرُخَّص لهم أولاً فيما يَخِفُّ عليهم، ومع ذلك فليس في ذلك مخالفةٌ لحديث: "إنما جُعِل الإِمام ليؤتمَّ به"؛ لأن المسبوق إنما كان يصلّي ما سبق به منفردًا قبل أن يجعل الإِمام إمامًا له، فإذا وصل إلى ما فيه الإِمام اتخذه إمامًا من حينئذ، ووافقه وتابعه.
فأما اقتداء المفترض بالمتنفل: فلا يظهر لي فيه شيء من هذا القبيل.
الثالث: أن العمل إذا شُرِع لمعنى، واقتضت الحكمة التدريج في إبلاغَ ذلك العمل غايتَه فالمعقول أن يرعى فيه أولاً المقصود الأهم، ويكون التدريج في الفروع. وأنتم تزعمون أن الموافقة في النية هي الأصل، حتى أن لا ينعقد عندكم إلا بها، فلو كان الأمر كما زعمتم لكان الظاهر أن يُهتمّ أولاً بالموافقة في النية، ويكون التدريج في الموافقة الظاهرة، فكيف وانعكس الحال؟!
الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فصَّل في حديث: "إنما جُعِل الإِمام ليؤتمَّ به" أشياء، قال: "فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا" وزاد في رواية: "فإذا كبَّر فكبَّروا ... وإذا سجد فاسجدوا" إلى غير ذلك.
فنصَّ على المتابعة التي قد علموا أنها مشروعة، فلو أريد به نسخ جواز اقتداء المفترض بالمتنفل لكان أولى بأن ينصَّ عليه مما ذكر.
الخامس: أنه نصَّ على المتابعة في الأفعال تفصيلاً، والمتابعة في النية على حسب دعواكم أهمُّ منها، فلو كان الأمر كما قلتم لكان النص على المتابعة في النية - على حسب دعواكم - أولى.