وما ذكره عن أبي سعيد وعائشة إنما احتجَّا به؛ لأنه يدل أن المأموم إذا أدرك الإِمام قُبيلَ الركوع لم يكن له أن يدع الفاتحة أو بعضها، ثم يعتد بتلك الركعة، فإذا لم يتحمل عنه الإِمام بعضًا من الفاتحة فقط، فَلَأنْ لا يتحمَّلها عنه كلَّها، ومعها القيامُ أولى.
وإذا كان الظاهر أن القول بالإدراك مخالفٌ للقول بافتراض الفاتحة على المأموم، وكان المصرِّحون من الصحابة بالإدراك هم من الذين عُرِف عنهم القولُ بعدم افتراض الفاتحة على المأموم، وجاء عن جماعةٍ من القائلين بالافتراض من الصحابة ما هو صريحٌ أو ظاهرٌ في عدم الإدراك، ولم يثبت عن أحدٍ منهم خلافُ ذلك = فإنه يَقوى جدًّا ظنُّ أن القائلين بالافتراض قائلون بعدم الإدراك، فكلام البخارىَّ وشيخِه متينٌ جدًّا.
وأما أن الجمهور الغالب على الإدراك فحقٌّ، ولكن هل يكفي هذا لتخصيصِ (?) النصوص الدالة على فرضية القيام وفرضية الفاتحة وفرضية قضاء ما فات؟ ومع تلك الأدلة الاعتبار الواضح، فإن المعهود في فرائض الصلاة أن لا يسقط شيء منها إلا لعذرٍ بيِّن، وليس المسبوقية كذلك، لتمكُّنِ المسبوق بدون مشقةٍ تُذْكَر من الإتمام بعد سلام الإِمام.
ومن المسبوقين من يكون مقصَّرًا تقصيرًا واضحًا، فقد رأينا من يتكاسل عن القيام فلا يُكبَّر إلا عند ركوع الإِمام، ومنهم من يتشاغل بمحادثة رفيقه، أو تجميلِ لِبْسته، أو التفرُّجِ على بعض الأشياء، أو يتخطَّى الصفوفَ لِيُزاحِم في الصفّ الأول بدون فُرجةٍ فيه، أو يتشاغل بذكر أو دعاء، إلى غير ذلك.