أقول: صنيعه في هذا الحديث مما يصلح حجة لمسلم، فإن الناس قالوا عن يزيد وعن غير يزيد عن يحيى: "مستقبلاً بيت المقدس"، وقال إبراهيم هذا: "مستقبل الشام مستدبر القبلة". انتقل ذهنه إلى رواية عبيد الله، كما يأتي.
وأما رواية عبيد الله ففي الصحيحين وغيرهما، وليس فيه قوله: "إن ناسًا يقولون"، وإنما هو من قوله: "ارتقيتُ على ظهر ... "، ولفظه في آخره عند مسلم: "مستقبل الشام مستدبر القبلة"، وعند البخاري: "مستدبر القبلة مستقبل الشام".
هكذا اختلف الرواة عن عبيد الله في تقديم إحدى الصفتين على الأخرى، وجاء في بعض الروايات "مستدبر الكعبة"، وفي أخرى "مستدبر البيت".
ولم يقل "مستقبلاً بيت المقدس", لأن مَن بالمدينة إذا استقبل [ص 3] بيت المقدس متحريًا، لم يكن مستدبرَ الكعبة، بل يكون متحرفًا عنها شرقًا، فعبر بقوله: "مستقبل الشام" لأن مَن بالمدينة إذا استدبر الكعبة متحريًا، كان مستقبلاً مشارقَ الشام.
ولقائل أن يقول: فيما ذكرته نظر:
أولاً: لاحتمال أن يكون ابن عمر قال مرةً كما ذكر يحيى، ومرة كما ذكر عبيد الله، وحفظ واسعٌ اللفظينِ، وحدَّث بهذا تارة، وبذاك أخرى، وكذلك محمَّد بن يحيى، ثم سمع يحيى من محمدٍ أحدَ اللفظين، وعبيد الله الآخر.
فإذا سلمنا أن ابن عمر إنما قال أحد اللفظين كما تدل عليه رواية مسلم