[ص 23] ما تقرّر في الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلتة، كمن أغضبه إنسان فترادّا الكلامَ حتى قذفَه على وجه الشّتْم، ففي الحكم بفسقه نظر؛ لأن مثل هذا قد لا يوجب سوء ظن الناس بالمشتوم، فإن سامع مثل هذا قد يفهم منه الشتم فقط، لا أن الشاتم يثبت نسبة الفاحشة إلى المشتوم.
والذي يدفعُ الإشكالَ من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب منها، وقد تقرّر في الشرع أن التوبة تجبُّ ما قبلها، وأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعلى هذا يُحْمَل ما روي عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة: أنه ذَكَر أبا الزبير: محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس وسماعه منه قال: "فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فردَّ عليه، فافترى عليه، فقلت له: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟! قال: إنه أغضبني، قلت: ومن يغضبك تفتري عليه؟ لا رويتُ عنك شيئًا". ذَكَر هذا في ترجمة أبي الزبير في "التهذيب" (?). لكن قال في ترجمة محمَّد بن الزبير التميمي: "وأسند ابنُ عديّ من طريق أبي داود الطيالسي قلت لشعبة: مالَك لا تحدِّث عن محمَّد بن الزبير؟ فقال: مرّ به رجل فافترى عليه، فقلت له، فقال: إنه غاظني" (?).
واتفاق القصة لكلٍّ من الرجلين: محمَّد بن الزبير، ومحمد بن مسلم أبي الزبير ليس بممتنع، لكن تقارب الاسمين يقرب احتمال الخطأ، والله أعلم.