والظاهر أنه لو كان عند أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى لَذَكَرَ ذلك لهؤلاء.
وذكر أبو ريَّة عن عائشة أن أبا بكر كتب في صحيفة خمسمائة حديث، ثم أحرقها معتذرًا بأن فيها ما سمعه من رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويخشى أن يكون [ص 5] ذاك الرجل وهِم، وأنه يخشى أن يردّ مَن بعده ما وجدوه من الحديث زائدًا على تلك الصحيفة، بعلّة أنه لو كان صحيحًا لعَلِمَه أبو بكر؛ هذا معنى القصة. وهي - لو صحّت - واضحة الدلالة على أن أبا بكر لم يكن عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكتابة.
وذَكَر عن عمر أنه استشار الصحابة في كتابة الحديث، فأشاروا (?) بذلك، فمكث مدّة يتردّد في ذلك، ثمّ عزم أن لا يكتب، وقال: "إني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله". وهذا - إن صحَّ - يدل أن عمر والصحابة حالهم كحال أبي بكر، أي لم يكن عندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكتابة.
فمَن تدبَّر هذا عَلِم أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيٌ عن كتابة حديثه. وإنما عَدَل عنها أبو بكر لِما تقدّم، وعَدَل عنها عمر خشية أن يدع الناسُ القرآن، ويستغنوا بما كتب من الحديث.
وفوق هذا: فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإذنُ بالكتابة، وقد أورد البخاريُّ في ذلك ثلاثة أحاديث (?): حديث صحيفة علي، وحديث "اكتبوا لأبي شاه"، وحديث أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب.