المطلب الثاني: البدع العملية. والأمر في هذا قريب لولا غلبة الهوى، فإن عامة تلك البدع لا يقول أحد من أهل العلم والمعرفة إنها من أركان الإِسلام، ولا من واجباته، ولا من مندوباته. بل غالبهم يجزمون بأنها بدع وضلالات، وصرَّح قوم منهم بأن منها ما هو شرك وعبادة لغير الله عزَّ وجلَّ. وقد شرحتُ ذلك في كتاب "العبادة"، وبحسبك هنا أن تستحضر أن من يزعم من المنتسبين إلى العلم أنه لا يرى ببعضها بأسًا، أو زاد على ذلك أنه [2/ 383] يُرجى منها النفع، فإنه - مع مخالفته لمن هو أعلم منه - يعترف بأنَّ في الأعمال المشروعة اتفاقًا ما هو أعظم أجرًا وأكبر فضلًا بدرجات لا تحصى. وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. وفي "الصحيحين" (?) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشك أن يقع فيه". وفي حديث آخر (?): "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وفي حديث آخر (?): "إنه لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدعَ ما لا بأس به حذرًا لما به بأس".