يكون كواحدٍ منهم في سرعة الانتقال، وسهولة الاستدلال، وتيسُّر دَفْع الشبه في الجملة، وغير ذلك. ولو فكَّروا قليلاً لعلموا أن البون شاسع؛ فإنهم تلقَّنوا العقائد صغارًا ونشؤوا على قبولها والسكون إليها، وعامَّة الناس حولهم مطبقون عليها، وبَلَغتْهم الشرائع وما نبَّهتْ عليه من الحجج ودفع الشبهات، وبلغهم كلامُ العقلاء الذي تلقَّوه من الشرائع وفسَّروا به ما نبَّهتْ عليه من الحجج وفرَّعوا عليها. ومَنْ لم تبلغه دعوة أصلاً بعيدٌ عن هذا كله، ونحن نجد من المنهمكين في العقليات المقصِّرين في الشرعيَّات من تكون عاقبتُه الإلحادَ أو الارتيابَ مع أنهم قد تلقَّوا كلام العقلاء في الحجج التي اقتبسوها من الشرائع أو فَرَّعوها عليها [ز 9] فما بالك بمن لم تبلغه دعوة أصلاً؟

وهَبْ أن النظر العقلي يستطيع أن يُثْبِتَ على مَنْ لم تبلغه دعوة إجرامًا أو تقصيرًا، فقد بقي وراء ذلك عفو الرؤوف الرحيم.

فإن قيل: إن غلاة هؤلاء يجحدون العفو ويزعمون أنه قبيح؛ لأنه خلاف الحكمة!

فالجواب: أن تلك منهم مكابرة للعقل والشرع، ثم ما عساهم يقولون في الأطفال رُفِعَ عنهم القلم حتى يبلغوا الحلم؟ فإن قيل: إن الطفل يكون تمييزه ضعيفًا. قلت: ذاك في أول أمره، وقد لا يبلغ الغلام إلاَّ لتمام خمس عشرة سنة، أو ثماني عشرة على الخلاف في ذلك، وقد يكون ابنُ ثلاث عشرة أو أربع عشرة أعقلَ من كثير من الرجال، فأما إذا كان من قوم بلغتهم الدعوة واتبعوها فقد يتعلَّم ويتدرَّب وينظر ويتدبَّر، فيكون أَقْوَمَ بمعرفة الحجج من أُمَّة بكمالها لم تبلغها دعوة أصلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015