بغاية الوضوح، بل يجيء ذلك في الجسمية وإن كنا لا نقول إنه سبحانه وتعالى جسم. فأما زعمهم أن في أحكام مطلق الأينية ما ينافي الوجود، فإنما مستندهم فيه تلك الشبهات التي تقدَّم أنه لا يلزمنا التشاغل بها للعلم ببطلانها، مع اعتراف أشدِّ أنصارها تحمُّسًا ومجازفةً بأن غايتها أنها ربما تُورث مَنْ طالت ممارسته لها الإنس بمقتضاها، ومن تدبَّر تلك الشبهات علم وَهْنَها.
[الثانية:] (?) يقول الفلاسافة: إن ذات الله تعالى وجود، ومال إلى هذا كثير من متأخري المتكلمين. وأُورِد عليهم أن الوجود عندهم أمر عدمي، فأجابوا بأنه لا مانع من تفاوت الأفراد، فيكون هذا الفرد المعروف من الوجود أمرًا عدميًّا، وفرد آخر منه واجب الوجود لذاته. ومن العجب أن يزعموا معقولية هذا، وينكروا معقولية التفاوت في الأينية، أو قل في الجسمية.
[2/ 355] الثالثة: القائلون: "جسم لا كالأجسام" يقولون: لا حاجة لأن تُلزِمونا ذلك بإثباتنا الفوقية، بل نحن نُلزِمكم ذلك بما اعترفتم به أنه سبحانه موجود قائم بنفسه، بل ذلك هو معنى القيام بالنفس، وهذه من أجلى البديهيات. وذكروا أن بعضهم أورد هذا على أبي إسحاق الإسفرائني (?) ففرَّ إلى قوله: إنما أعني بقولي: "قائم بنفسه" أنه غير قائم بغيره. وهذا عجب! فإنه إذا كان موجودًا، والموجود إما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره، فقوله: "غير قائم بغيره"، إنما حاصله أنه قائم بنفسه، فحاصل جوابه إنما يعني بقوله: "قائم