ظاهرُه بشيء، فلو كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يُخطِر ببال المكلَّف ذلك الدليلَ، وإلا كان تلبيسًا من الله تعالى، وإنه غير جائز. قلنا: هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح وأنه يجب على الله سبحانه شيء، ونحن لا نقول بذلك. سلَّمنا ذلك، فلِمَ قلتم: إنه يجب ... ، وبيانه: أن الله إنما يكون مُلَبِّسًا على المكلَّف لو أسمعه كلامًا يمتنع عقلًا أن يريد به إلا ما أشعَر به ظاهرُه. وليس الأمر كذلك, لأن المكلَّف إذا سمع ذلك الظاهر فبتقدير أن [لا] (?) يكون الأمر كذلك لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعرَ به الظاهر، فعلى هذا إذا أسمع الله المكلَّفَ ذلك الكلامَ، فلو قطع المكلَّفُ بحمله على ظاهره مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا كان ذلك التقصير واقعًا من المكلَّف، لا من قِبَل الله تعالى ... [2/ 314] فخرج بما ذكرنا أن الأدلة النقلية لا يجوز التمسك بها في باب المسائل العقلية. نعم، يجوز التمسك بها في المسائل النقلية، تارةً لإفادة اليقين كما في مسألة الإجماع وخبر الواحد، وتارةً لإفادة الظن كما في الأحكام الشرعية".
أقول: أما المطلب الأول، فقد أعدَّ الله تبارك وتعالى لثبوته فِطرَ الناس وعقولهم الفطرية وآيات الآفاق والأنفس، ثم تكفَّل الشرعُ بالتنبيه على ذلك وإيضاحه مع تضمنه لآيات أخرى. ثم يتمِّم الله عزَّ وجلَّ ذلك بالتوفيق لمن استحقَّه، فمن كان في قلبه محبة للحق ورغبة فيه وإيثار له على ما سواه رَزَقه