هذا ففي الآية وَعْدٌ من الله عزَّ وجلَّ لهؤلاء القوم بأنه سيدخل الإيمان في قلوبهم، وقد وعدهم صريحًا بقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية، فيُعلَم من هذا أن هؤلاء لم يكونوا من المنافقين؛ فإن الله تعالى وعد هؤلاء بما سمعت، وأوعد المنافقين بأن يُضِلَّهم ويزيدَهم مرضًا ورِجْسًا.

والفرق بين الفريقين أنَّ المنافقين التزموا بألسنتهم وكانوا ينقضونه في السرَّ بالتكذيب والطعن والعدوان والسعي بالفساد وكيد الإِسلام وأهله. وأما هؤلاء الأعراب فإنهم التزموا ووفَوْا بما التزموه وإن لم يكن قد دخل الإيمان في قلوبهم، فتدبَّرْ.

ثم رأيت الإِمام الشافعيَّ رحمه الله تعالى قد ألمَّ بهذا في كتاب (إبطال الاستحسان)، قال: "ثم أَطْلَع الله رسولَه على قومٍ يظهرون الإِسلام ويُسِرُّون غيره .... فقال لنبيِّه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ...} [الحجرات: 14].

قال الشافعيُّ: {أَسْلَمْنَا}، يعني: أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل والسَّباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله، يعني: إن أحدثوا طاعة الله ورسوله، وقال له في المنافقين وهم صنفٌ ثانٍ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ...} [المنافقون: 1] " (?).

محلُّ الشاهد قوله في المنافقين: "وهم قسم ثانٍ" (?).

والمقصود أن الأحكام الدنيويَّة بُنِيت على الالتزام وحده، ولو ممن عُلِم أنه لم يؤمن قلبه. وبهذا يُعلَم أنَّ ما جاء في بعض روايات حديث أسامة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015