المقصود الأهمّ من كتابي هذا هو ردُّ المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها. والذي اضطرني إلى ذلك أن السنة النبوية وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها، ومعرفة العربية، وآثار الصحابة والتابعين في التفسير، وبيان معاني السنة والأحكام وغيرها، والفقه نفسه = إنما مدارها على النقل، ومدارُ النقل على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ وأضرابِهم؛ فالطعنُ فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في الدين من أصله.
وحسبك أنَّ مِن المقرّر عند أهل العلم: أنه إذا نُقِل عن جماعة من الصحابة القولُ بتحريم شيء، ولم يُنقَل عن أحد منهم أو ممن عاصرهم من علماء التابعين قولٌ بالحِلِّ، عُدَّ ذاك الشيء مُجمعًا على حُرمته، لا يسوغ لمجتهد أن يذهب إلى حِلِّه. فإن ذهب إلى حِلِّه غافلًا عن الإجماع كان قوله مردودًا، أو عالمًا بالإجماع فمِن أهل العلم من يضلِّله، ومنهم من قد يكفِّره.
لكنه لو ثبت عن رجل واحد من الصحابة قولٌ بحلِّ ذلك الشيء كانت المسألة خلافية، لا يُحظَر على المجتهد أن يقول فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصّل يوافق هذا في شيء، وذاك في شيء؛ ولا يحرم على المقلد الذي مذهب إمامه الحرمة أن يأخذ بالحل، إما على سبيل الترجيح والاختيار إن كان أهلاً، وإما على سبيل التقليد المحض إن احتاج إليه.
وثبوتُ ذاك القول عن ذاك الصحابي يتوقَّف على ثقة رجال السند إليه، والعلمُ بثقتهم يتوقّف على توثيق بعض أئمة الجرح والتعديل لكلٍّ منهم، والاعتدادُ بتوثيق الموثَّق يتوقَّف على العلم بثقته في نفسه وأهليته، ثم على