الأوقات حتى يتخيل أن حبيبه لا يزال حيًّا، وربما يتخيّله معه. وقد يسلك هذا المجاز في كلمة، ويصرّح بالموت في أخرى، لإيهام أنه لشدة جزعه كأنه قد خولط في عقله. قالت الخنساء في تكذيب الخبر بقتل أخيها:
كذَّبتُ بالحقِّ وقد راعني ... حتى عَلَتْ أبياتَنا الواعيَهْ (?)
وقال أعشى باهلة يرثي المنتشر الباهلي (?) [ص 34]:
إنّي أتتْني لسانٌ ما أُسَرُّ بها ... مِنْ عَلْوَ لا عَجَبٌ فيها ولا سَخَرُ
جاءت مُرَجَّمةً قد كنتُ أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذَرُ
تأتي على الناس لا تَلْوي على أحدٍ ... حتى أتتنا وكانت دوننا مُضَرُ
إذا يُعادُ لها ذِكرٌ أكذّبُه ... حتى أتتني بها الأنباءُ والخَبَرُ
وشرحه المتنبي، فقال (?):
طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ ... فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذِبِ
حتى إذا لم يَدَعْ إلى صدقُه أملاً ... شرِقتُ بالدمع حتى كاد يشرَقُ بي
ولذلك تراهم في مراثيهم يكثرون من مخاطبة الميّت، ويقولون له: "لا تبعد". وآخر مرثية أعشى باهلة السابق ذكرها: