(ب)
ذكر ابن إسحاق أن أبرهة أرسل يستدعي سيد أهل مكة وشريفها، فذهب إليه عبد المطلب، قال: "فأذن له أبرهة. قال: وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلَّه وأعظمه وأكرمه عن أن يجلس (?) تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك ... فقال: حاجتي أن يردَّ عليّ الملكُ مائتي بعير أصابها لي" (?).
قال المعلم: "فهل يمكن أن يترك عبد المطلب التكلم في أمر البيت بعد ما رأى وسمع من أبرهة ما يستيقن به أنه لو سأله الانصراف عن هدم البيت لفعل، ثم إنه لم يترفع عن المجيء إليه، والسؤال لإبله" (?).
قال عبد الرحمن: ليس في القصة ما يحصل به الاستيقان، بل ولا الظن، فلعل عبد المطلب [ص 4] رأى أن غرض أبرهة من إظهار احترامه أن يستميله ليرضى بهدم البيت، فيقول أبرهة للعرب: إنما هدمته برضا أهله. وقد يكون عبد المطلب صمم على التوكل على الله عزَّ وجلَّ، ولم يستجز أن يكدِّر توكله بسؤال ذلك الحبشي في شأن البيت. وقد يكون رأى أن ترك السؤال في شأن البيت أبلغ في تخويف أبرهة، إذ يقول في نفسه: ما ترك هذا الشريف السؤال في شأن البيت إلا لشدة وثوقه بحماية الله عزَّ وجلَّ له، وإنما