في ترجمة شيخ الإِسلام ابن تيمية - لم يكن ينفرد بالتشهي، ولا يطلق لسانه بما اتفق (?)، بل يستدل على ما يذهب إليه بالمعقول والمنقول، ويخطئ كغيره ويصيب، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومما انفرد به رحمه الله تفسيره لسورة الفيل، إذ ذهب إلى أن العرب لم يتخلوا عن بيت الله، بل نافحوا عنه، وقاتلوا جيش أبرهة بما استطاعوا وبما تيسر لهم، وهو أنهم رموهم بحجارة من سجيل، ولكن رميهم هذا لم يكن ليدفع ذلك الجيش الجرار، فأرسل الله سبحانه عليهم حاصبًا أهلكهم، كما أهلك به الأمم الطاغية الأخرى، وكانت تلك آية عظيمة من آيات الله.
وقد شبَّه رمي العرب جيش أبرهة بالحجارة ورمي الله إياهم بالحاصب في الوقت نفسه بما وقع في غزوة بدر إذ أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشًا، ثم قال: شاهت الوجوه، ثم نفحهم بها وقال لأصحابه: شدّوا. فلم يبق كافر إلا شغل بعينه كما جاء في سورة الأنفال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ... فكان هناك رميان: رمي من النبي - صلى الله عليه وسلم - رأوه ورمي من الله تعالى لم يروه ولكن رأوا أثره ولذلك جاء النفي والإثبات معًا ... وكما نسب الله الرمي في بدر إلى نفسه في قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فهكذا ها هنا نسب إلى نفسه أنه جعلهم كعصف مأكول، فلا شك أنها كانت من الآيات البينات فإن منافحة قريش كانت أضعف من أن يفل هذا الجيش، فكيف يحطمهم حتى صاروا كعصف مأكول؟ " (تفسير سورة الفيل ص 20).