يتحكَّمون، فربما يَعْمَدون إلى الوَهْمِيَّات فيدَّعون فيها الضرورة، ويسخرون ممَّن يخالفها، وربما يردُّون الضروريات، ويقولون: هذا وهم فاسد، ويسخرون ممَّن يحتجُّ بها، فينبغي أن نكشف عن هذه الضرورة التي ادَّعوها هنا، فنقول: لو نظرت رجلاً من عقلاء العامة، فرفعت يَدَيْك مبسوطتين في الفضاء متباعدين بنحو شبر مثلًا ثم سألْتَهُ: هل بين يدي شيء موجود لقال لك: لا. فأين الضرورة؟
ثم نقول: قد ذكرتم أنَّ الحكماء متفقون على أنَّ خارج العالم عَدَمٌ مَحْضٌ، وأنَّ المتكلِّمين متفقون أنَّ خارج العالم فضاء أي: بُعْدٌ موهوم، ونصرتم مذهب الحكماء، إذ قيل لكم: لو فُرِض أنَّ إنسانًا في طرف العالم فمدَّ يده إلى خارجه فقلتم: لا تنفذ، فقيل لكم: الجسم بمانع؟ قلتم: لا، ولكن شرطُ النُّفوذِ الفضاءُ، ولا فضاء هناك.
فنقول لكم: فهل يجوز أن يخلق الله تعالى خارج العالم فضاءً مستطيلًا ضيَّقًا بحيث تمتد فيه اليد؟
فإن لم يُكابروا قالوا: نعم! فنقول: لنفرض أنَّ جسمًا مقوَّسًا على شكل نصف دائرة مثلًا يكون له سطح يمكن أن يجلس عليه إنسان، فركب جماعة على هذا القوس، ثم وُجِّه طرفا القوس إلى خارج العالم، ولنفرض على صحة قولكم: أنّ الفضاء شيء موجود، وأنّه ليس خارج العالم فضاء = أنّ الله عَزَّ وَجَلَّ خلق هناك فضاءً بقدر كُوّةٍ ينفذ فيها طرف ذلك الجسم بِمَن عليه، وأنَّه أُدِير ذلك القوس، والله عزَّ وجلَّ يخلق الفضاء أمامه حتى أعيد الطرف الذي ابتدئ بإنفاذه إلى موضع آخر من طرف العالم، فكان على شكل قوس وكرة طرف العالم = فهل يكون بين باطن القوس وبين سطح العالم بُعد