ورأى غير هؤلاء أنَّ ما تواتر عن الأنبياء ممَّا يُبَرْهِن على ملازمتهم للصِّدق والعبادة وشِدَّة الخوف من الله عزَّ وجلَّ، وتقديم طاعته على كل ما عداه مع ما جاؤوا به من الحكمة التي تبهر العقول = تحيِّر، فقال قائلهم:
نِهايةُ إقدامُ العُقُول عِقَالُ ... [وأكثرُ سَعي العَالمَين ضَلالُ
وأرواحُنا في وَحْشةٍ من جُسُومِنا ... وحَاصِلُ دُنْيَانا أذًى ووَبَالُ
ولم نَسْتَفِد مِن بَحْثِنا طُولَ عُمْرِنا ... سوى أن جَمعنا فيه قِيلَ وقالوا
وكم قد رأينا مِن رجالٍ ودولةٍ ... فبَادُوا جميعًا مُسْرِعين وزالوا
وكم من جِبالٍ قد عَلَت شُرُفاتها ... رِجالٌ فَزَالُوا والجِبالُ جِبالُ] (?)
ومنهم من تداركته رحمة الله تبارك وتعالى، فرضي من الغنيمة بالإياب، على أنَّه لم يرجع سالمًا مِن كلِّ عاب، وإلى الله المآب، وعليه الحساب.
وأمَّا مَن قال: حياةٌ تليق به، ويدٌ تليق به تعالى، ونحو ذلك، ولا تُؤولُ، فهم فِرَقٌ:
الفرقة الأولى: من يُسلِّم أنَّ ظواهر آيات الصَّفات وأحاديثها تقتضي المُحَال، وأنَّ التَّأويل سائغٌ - ولكنَّه خطرٌ. وقال قائلهم: "مذهب السَّلف أسلم ومذهب الخلف أعلم".