قد يرسل عمن عاصره غير قاصد إيهامًا، بل اتكالًا على معرفة السامع بعدم اللقاء، كما حملتم عليه قول أبي حاتم في أبي قلابة الجرمي، فيكون هذا إرسالًا خفيًّا في الحقيقة لا يمتنع اتصاف الثقة به، ولا يلزم الأئمة نقله، وإن صار فيما بعد خفيًّا.

(1) هذا أشق ما أوردتموه، وعلى ذلك فجوابه [ص 132] من وجهين: إلزامي، وتحقيقي.

أما الإلزامي: فلأنه يلزمكم مثله في التدليس، بأن يقال: إن الثقة قد يرسل عمن لقيه وسمع منه غير قاصدٍ إيهامًا، بل اتكالاً على معرفة السامع بأنه وإن لقيه لم يسمع، أو سمع منه ولكن هذا المعنعن ليس مما سمعه وهذا لا يسمى تدليسًا، إذ لا إيهام فيه، فلا يمتنع اتصاف الثقة به، ولا يلزم الأئمة نقله، وإن صار فيما بعد تدليسًا.

فإذا اعتبرتم الاحتمال هناك، لزمكم اعتباره هنا، فتردون كلَّ معنعن كما قاله مسلم رحمه الله.

وأما التحقيقي؛ فنقول: إن السامع من المُعَنعِن إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين أن شيخَه لم يلق الذي روى عنه، فإن فُرِضَ أن هذا السامع حَدَّث من يعلم بعدم لقاء المعنعن لشيخه، فهذا المحدِّث إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين وهكذا.

فتلخَّص من هذا: أنه إذا ثبت عن أحد رجال السند [ص 133] بيان أن المعنعِن لم يلق المعنعَن عنه، فالأمر واضح، وإن لم يجئ البيان عن أحد منهم ولا عن غيرهم، وجب حمل تلك العنعنة على السماع؛ وإلا لزم أن يكون في الرجال مدلِّس، المفروض سلامتهم من التدليس، وهذا هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015