وعليه، فليس أهل العلم والهدى بأحق من الآخرين باتخاذ المسجد، بل الأمر بالعكس كما لا يخفى.
[ص 115] وقال قوم: بل الفريق الأول هو المحمود. وهذا هو الصحيح، ولنا عليه أدلة:
1 - أن الله عزَّ وجلَّ أقام الفريق الأول مُقام الجميع، بقوله: {فَقَالُواْ}، وهذا لا يكون إلا لمزية، كما تقدم. ولا تكون المزية ههنا إلا دينية؛ لأمرين:
الأول: أن الباري عزَّ وجلَّ اعتبر هذه المزية، حيث جاء في كلامه العزيز إقامة الفريق الأول مقام الجميع لأجلها، وهذا يشعر بأنها محبوبة له عزَّ وجلَّ.
الثاني: أن المزية الدنيوية إنما هي القوة، وقد أثبتها الله عزَّ وجلَّ للفريق الثاني بقوله: {الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ}. فتعين أن تكون مزية الفريق الأول دينية، فهم أهل العلم والهدى.
2 - أن الله عزَّ وجلَّ حكى من قول هذا الفريق الأول قولهم: {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}.
وهذه كلمة عظيمةٌ، يشم منها نفحات الإيمان, وتلوح منها لمحات العلم والإيقان.
3 - أن الله تبارك وتعالى قدَّم الفريق الأول في الذكر، والتقديم يُشْعِر بمزية للمقدَّم، وقد علمت أن المزية ليست بدنيوية، فتعين كونها دينية.
4 - أنه جلّ ذكره قال في ذِكْر الفريق الثاني: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ...}.