كثير، وإنما تفيد مجرَّد حُسن الظن لا غير، ولهذا كان سيّد الطائفة الجُنيد رضي الله عنه يقول لأصحابه: لو رأيتم رجلاً قد تربّع في الهواء فلا تقتدوا به حتى تروا صنيعَه عند الأمر والنهي، فإن رأيتموه ممتثِلًا لجميع الأوامر الإلهية مجتنبًا لجميع المناهي، فاعتقدوه واقتدوا به. وإن رأيتموه يخلُّ [106] بالأوامر ولا يجتنب المناهي فاجتنبوه (?).
فجَعَل الدليل على كون الخارق كرامة هو الثبات على جميع الأوامر، واجتناب جميع المناهي، فكان من المحال أن يجعل الخارق دليلًا على الثبات، أو على كون فعلٍ من الأفعال هو من الدين وإلا لكان دورًا، فتأمّل.
مع أن هذا الأمر من المعلوم بالضرورة لكل مسلم، فإن أركان الإيمان إنما هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشرّه. ومِن لازم الإيمان بالله ورسوله الإيمانُ بالكتاب والسنة والاهتداءُ بهديهما. والخارقُ بعد المعجزة خارج عن ذلك كله، اللهم إلا أن يختار أحدٌ لنفسه الكفر بهما والإيمانَ بالخارق، فهو وما تولّى، أعاذنا الله وجميع المسلمين من الخذلان!
الوجه الثاني في الكلام على هذه الخوارق: بيانها تفصيلاً:
أولاً: قولكم: إن أحدكم يجهد في دعاء الله تعالى ... إلخ.
جوابه: أنه إن صحَّ ولم يتكرّر فهو مجرّد موافقة. فإن تكرر حتى حصل لصاحبه القطعُ بمقتضاه، فهو من الاستدراج، أو مما يصلح له من بقية الأنواع، فإن الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، ويقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ