وقد عقد المحقق ابن القيم لبيان هذه الفطرة بابًا في كتابه "شفاء العليل" (?) مقتبسًا أكثر كلامه من كلام شيخه أبي العباس ابن تيمية، وقال في آخره (?): "فقد تبيَّن دلالةُ الكتاب والسنة والآيات واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجبُ فطرتهم ومقتضاها، يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضي حصولَ ضدِّه، وأن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرطٍ، بل على انتفاء المانع، فإذا لم يوجد فهو لوجود مُنافِيه لا لعدمِ مقتضيه. ولهذا لم يذكر النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم لوجود الفطرة شرطًا، بل ذكر ما يمنع موجَبَها، حيث قال: "فأبواه يُهوِّدانِه ويُنصِّرانِه ويُمجِّسانِه". فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسبابٍ خارجة عن الفطرة، وحصولُ الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصلُه على غير الفطرة، وإن توقَّف كمالُه وتفصيلُه على غيرها، وبالله التوفيق"، انتهى.

ثم ذكر الأدلة العقلية الموافقة لذلك، والكلام طويل، ولذلك اقتصرنا على إثبات الدعوى والدليل، ومَن أراد استيفاء البحث فعليه بـ "شفاء العليل".

[ص 4] وفوق ذلك فإن الله سبحانه وتعالى خلق الأكوان المحسوسة لهم على هيئة دالة على وجودِه وإلهيته ووحدانيته وكمالِه، فلا تقعُ عينُ ابنِ آدم ولا شيءٌ من حواسِّه إلّا على آيةٍ من آيات الله تعالى وبرهانٍ قاطع، وقد نبَّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015