عبادة الأصنام، فكأنَّ أباه ذكر له علاقتها بالكواكب، فدعاه ذلك إلى النظر في الكواكب، فنظر فيها [359] وقال ما قال، ثم كأنَّهم - والله أعلم - ذكروا له شأن الروحانيِّين، وذلك قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ}، فأجابهم بما ذكره الله تعالى، وسيأتي الكلام على هذه الآيات عند ذكر الكواكب (?) إن شاء الله تعالى.
وأمّا ما ذكره الله تعالى من قول إبراهيم للأصنام: {أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)}، وما روي أن القوم كانوا يقرِّبون لها الأطعمة فلا دلالة فيه على أنهم كانوا يقولون: إنها تأكل، وإنما كانوا يقربون لها الأطعمة ثم يأكلها سدنتها، كما هو المعروف من حال المشركين لهذا العهد. وقال إبراهيم ما قال استهزاءً بالأصنام وبمن يعبدها، وقال: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}، وقد علم أن قومه يعرفون أنها لا تنطق كما قالوا هم أنفسهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ}، فكذلك قال: {أَلَا تَأْكُلُونَ} مع علمه أن قومه يعرفون أنها لا تأكل، والله أعلم.
الذي يدل عليه القرآن أنهم كانوا يعبدون الروحانيِّين وينعتونهم بنعوت باطلة، وآثارهم الموجودة تدلُّ أنهم كانوا يعبدون الأصنام وغيرها. وبعض البحاثين [360] يعلِّل ذلك بأنهم إنما كانوا يعبدون المخلوقات على أنها مظاهر للباري عزَّ وجلَّ. وهذا الرأي مجمل، وسيأتي الكلام على ديانتهم